فصل: السورة التي يذكر فيها الفتح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير التستري



.تفسير الآية رقم (33):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33)}
قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [33] أي في تعظيم اللّه، {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ} [33] أي برؤيتها من أنفسكم ومطالبة الأعواض من ربكم، فإن العمل الخالص الذي لم يطلب به العوض.

.تفسير الآية رقم (38):

{ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38)}
قوله تعالى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ} [38] قال: معرفة السر كله في الفقر، وهو سر اللّه، وعلم الفقر إلى اللّه تعالى تصحيح علم الغنى باللّه عزّ وجلّ.
واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

.السورة التي يذكر فيها الفتح:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآيات (1- 2):

{إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (2)}
قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [1] قال: يعني أسرار العلوم في قلبك حتى ظهر عليك آثارها، وهي من أعلام المحبة وتمام النعمة. {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} [2] قال: أي ما تقدم من ذنب أبيك آدم صلوات اللّه عليه وأنت في صلبه، وما تأخر من ذنوب أمتك، إذ كنت قائدهم ودليلهم.

.تفسير الآية رقم (4):

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (4)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [4] يعني الطمأنينة. فأول ما كاشف اللّه به عباده المعارف، ثم الوسائل، ثم السكينة، ثم البصائر. فمن كاشفه الحق بالبصائر عرف الأشياء بما فيها من الجواهر، كأبي بكر الصديق رضي اللّه عنه ما أخطأ في نطق.
قوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [4] قال: جنوده مختلفة، فجنوده في السماء الأنبياء، وفي الأرض الأولياء وجنوده في السماء القلوب، وفي الأرض النفوس ما سلط اللّه عليك فهو من جنوده وإن سلط اللّه عليك نفسك أهلك نفسك بنفسك، وإن سلط عليك جوارحك أهلك جوارحك بجوارحك، وإن سلط نفسك على قلبك قادتك إلى متابعة الهوى، وإن سلط قلبك على نفسك وجوارحك زمها بالأدب، وألزمها العبادة، وزينها بالإخلاص في العبودية، فهذا كله جنود اللّه.

.تفسير الآيات (8- 11):

{إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (11)}
قوله: {إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [8] قال: شاهدا عليهم بالتوحيد، ومبشرا لهم بالمعونة والتأييد، ومحذرا عن البدع والضلالات.
قوله: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [9] قال: أي تعظموه غاية التعظيم في قلوبكم، وتطيعوه بأبدانكم ولهذا سمى التعزير تعزيرا لأنه أكبر التأديب.
قوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [10] قال: أي حول اللّه وقوته فوق قوتهم وحركتهم، وهو قولهم للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم عند البيعة: «بايعناك على أن لا نفر ونقاتل لك». وفيها وجه آخر: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [10] أي منة اللّه عليهم في الهداية لبيعتهم وثوابه لهم فوق بيعتهم وطاعتهم لك.
قوله: {شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا} [11] اعتذروا به، فحكاه اللّه لك لتعلم أن الإقبال على اللّه عزّ وجلّ بترك الدنيا وما فيها، فإنها تشغل عن اللّه ألا ترى المنافقين كيف اعتذروا بقولهم: {شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا} [11].

.تفسير الآيات (25- 27):

{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27)}
قوله: {وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ} [25] قال: المؤمن على الحقيقة من لا يغفل عن نفسه، وقلبه يفتش أحواله ويراقب أوقاته، فيرى زيادته من نقصانه، فيشكر عند رؤية الزيادة، ويتفرغ ويدعو عند النقصان، هؤلاء الذين بهم يدفع اللّه البلاء عن أهل الأرض، ولا يكون المؤمن متهاونا بأدنى التقصير، فإن التهاون بالقليل يستوجب الكثير.
قال: فإن العبد لا يجد طعم الإيمان حتى يدع ست خصال: يدع الحرام والسحت والشبهة والجهل والمسكر والرياء، ويتمسك بالعلم وتصحيح العمل والنصح بالقلب والصدق باللسان والصلاح مع الخلق في معاشرتهم والإخلاص لربه في معاملته. قال: وكتاب اللّه مبني على خمس: الصدق والاستخارة والاستشارة والصبر والشكر.
قوله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها} [26] قال: هي كلمة لا إله إلا اللّه فإنها رأس التقوى. ثم قال: خير الناس المسلمون، وخير المسلمين المؤمنين، وخير المؤمنين العلماء العاملون، وخير العاملين الخائفون، وخير الخائفين المخلصون المتقون الذين وصلوا إخلاصهم وتقواهم بالموت، فإن مثله كمثل راكب السفينة بالبحر، لا يدري أينجو منه أن يغرق فيه، والذين تم لهم ذلك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى} [26].
قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [27] قيل: ما هذا الاستثناء؟
قال: هذا تعليم للعباد وتأديب لهم بشدة الافتقار إليه في كل وقت وحال وتأكيد، فإن الحق إذا استثني مع كمال علمه لم يكن لأحد من عباده مع قصور علمهم أن يحكم في شيء من غير استثناء.

.تفسير الآية رقم (29):

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)}
قوله تعالى: {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [29] قال: المؤمن باللّه وجه بلا قفا، مقبل عليه غير معرض عنه، ذلك سيما المؤمن. وقال عامر ابن عبد قيس: كاد المؤمن يخبر عن مكنون علمه، وكذلك وجه الكافر، وذلك قوله: {سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [29] وقال ابن مسعود رضي اللّه عنه: سر المؤمن يكون رداء عليه.
واللّه سبحانه وتعالى أعلم.

.السورة التي يذكر فيها الحجرات:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

.تفسير الآيات (1- 3):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [1] قال: إن اللّه تعالى أدب عباده المؤمنين، أي لا تقولوا قبل أن يقول، فإذا قال فأقبلوا عليه ناصتين له، مستمعين إليه، واتقوا اللّه في إهمال حقه، وتضييع حرمته {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} [1] ما تقولون {عَلِيمٌ} [1] بما تعملون.
قوله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [2] أي لا تخاطبوه إلا متفهمين، ثم بين كرامة من عظّمه فقال: {أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} [3] أي أخلص نياتهم له.

.تفسير الآيات (6- 7):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)}
قوله: {إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ} [6] قال: الفاسق الكذاب. وباطنها تأديب من بلغه ذمّه من أحد بأن لا يعجل بعقوبته ما لم يتعرف ذلك من نفسه.
قوله: {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [8] قال: تفضل اللّه عليهم فيما ابتدأهم به، وهداهم إليه بأنواع القرب والزلف.
قوله: {وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [7] قال: أي استخلص قلوبكم عطفا منه في عبادته بالإخلاص فيها، إذ الاستخلاص من عطفه، والإخلاص من حقه، ولن يقدر العبد على تأدية حقه إلا بعطفه بالمعونة عليه بأسباب الإيمان، وهي الحجج القاطعة والآيات المعجزة.
قوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ} [7] خوفا من عاقبته المذمومة.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}
قوله: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما} [9] قال: ظاهرها ما عليه أهل التفسير، وباطنها هو الروح والعقل والقلب والطبع والهوى والشهوة، فإن بغى الطبع والهوى والشهوة على القلب والعقل والروح فليقاتله العبد بسيوف المراقبة وسهام المطالعة وأنوار الموافقة، ليكون الروح والعقل غالبا والهوى والشهوة مغلوبا.

.تفسير الآية رقم (12):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}
قوله: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} [12] قال: أي لا تطعنوا على أحد بسوء الظن من غير حقيقة. وقد قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: «أكذب الحديث الظن». ثم قال سهل: الظن السيئ من الجهل من نفس الطبع، وأجهل الناس من قطع على قلبه من غير علم، فقد قال اللّه تعالى: {وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} [فصلت: 23] وإن العبد ليحرم الرزق الهني وصلاته بالليل بسوء الظن. وقد كان رجل من العباد نام ليلة عن ورده، فجزع عليه، فقيل: أتجزع على ما تدركه؟ قال: لست أجزع عليه، وإنما أجزع على الذنب الذي به صرت محروما عن ذلك الخير. فقيل لسهل: ما معنى قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «احترسوا من الناس بسوء الظن»، فقال: معنى هذا بسوء الظن بنفسك لا بالناس، أي اتهم نفسك بأنك لا تنصفهم من نفسك في معاملاتهم.
قوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} [12] قال: أي لا تبحث عن المعائب التي سترها اللّه على عباده، فإنك ربما تبتلى بذلك. وقد حكي عن عيسى عليه السلام أنه كان يقول: لا تكثروا الكلام في غير ذكر اللّه عزّ وجلّ، فتقسوا قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من اللّه ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا إلى أعمالكم كالعبيد، واعلموا أن الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء وسلوا اللّه العافية.
قوله: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [12] قال: من أراد أن يسلم من الغيبة فليسد على نفسه باب الظنون، فإن من سلم من الظن سلم من الغيبة، ومن سلم من الغيبة سلم من الزور، ومن سلم من الزور سلم من البهتان. قال: وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما: للمنافق غيبة، وليس للفاسق غيبة، لأن المنافق كتم نفاقه، والفاسق افتخر بفسقه. قال: وهذا إنّما أراد به فيما أظهره من المعاصي، فأما ما كتمه من المعاصي ففيه غيبة.